کد مطلب:309800 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:243

القسمت 37


لفّت فاطمة خمارها، واشتملت بردائها و الازار و نهضت بأمر اللَّه.

مابین دار فاطمة و المسجد خطوات، قطعتها ثابتة الخطی لكأنها محمّد و عاد یصحح مسار الإنسان من جدید.. یقوده إلی منابع النور والخلود.

جاءت فاطمة تحفها نسوة و بنات دخلت المسجد.. لتقول كلمتها للاُمّة و التاریخ.

و أنّت من وراء حجاب... انّة هی أنّة هابیل

قبل ان یموت... فیها عذابات «آسیة»... و حزن «مریم».

ولوعة «یوكابد»...

بكی المهاجرون و بكی الأنصار واهتزّ قلب كالصخر ولان.

قالت بنت آخر الأنبیاء وقرینة مؤسس البلاغة فی العرب:

- الحمد للَّه علی ما أنعم وله الشكر علی ما ألهم والثناء بما قدّم


من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها و تمام منن أولاها، جمّ عن الاحصاء عددها، ونأی من الجزاء أمدها و تفاوت عن الادراك أبدها. وأشهد ان لا إله الّا اللَّه وحده لا شریك له، كلمة جعل الاخلاص تأویلها، و ضمن القلوب موصولها، و أنار فی التفكیر معقولها، الممتنع عن الأبصار رؤیته، و من الألسن صفته و من الأوهام كیفیته، ابتدع الأشیاء لا من شی ء كان قبلها، و أنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها، كوّنها بقدرته و ذرأها بمشیئته.

وأشهد ان أبی محمّداً عبده و رسوله، اختاره قبل أن أرسله، وسمّاه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغیب مكنونة، و بستر الأهاویل مصونة، و بنهایة العدم مقرونة.

ابتعثه اللَّه اتماماً لأمره و عزیمة علی امضاء حكمه و انفاذاً لمقادیر حتمه، فرأی الاُمم فرقاً فی أدیانها عكفاً علی نیرانها، عابدة لأوثانها، منكرة للَّه مع عرفانها، فأنار اللَّه بأبی محمّد ظُلمتها و كشف عن القلوب بهمها و جلّی عن الأبصار غممها... ثم قبضه اللَّه الیه قبض رأفة و اختیار و رغبة و ایثار.

محمد من تعب هذه الدار فی راحة، قد خصّ بالملائكة الأبرار، و رضوان الربّ الغفار، و مجاورة الملك الجبّار، صلّی اللَّه علی أبی وأمینه و خیرته من الخلق و صفیّه والسّلام علیه و رحمة اللَّه و بركاته.


وقف التاریخ مذهولاً لكلمات سماویة لكأنها حوریة هبطت الأرض تحمل لها قبساً من نجوم السماء.

سكتت فاطمة هنیهةً واستجمعت قوّتها لتهزّ النخلة علّها تساقط رطباً جنیا:

أیّها الناس، اعلموا أنّی فاطمة و أبی محمد أقول عوداً و بدواً، و لا أقول ما أقول غلطاً، و لا أفعل ما أفعل شططاً، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزیز علیه ما عنتم حریص علیكم بالمؤمنین رؤوف رحیم، فإن تعزوه و تعرفوه تجدوه أبی من دون نسائكم، و أخا ابن عمی دون رجالكم، ولنعم المعزّی إلیه، فبلغ الرسالة صادعاً بالنذارة ماثلاً عن مدرجة المشركین، ضارباً ثبجهم، آخذاً بأكظامهم داعیاً إلی سبیل ربّه بالحكمة و الموعظة الحسنة یجفّ الأصنام و ینكث الهام، حتی انهزم الجمع و ولّوا الدبر، حتی تفری اللیل عن صبحه، وأسفر الحقّ عن محضه و نطق زعیم الدین، و خرست شقاشق الشیاطین.

و كنتم علی شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، و نهزة الطامع، و قبسة العجلان، موطئ الأقدام، تشربون الطرق، و تفتاتون القدّ، أذلّة خاسئین، تخافون أن یتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم اللَّه تبارك و تعالی بمحمّد صلی اللَّه علیه و آله بعد اللتیا والتی.

ودوّت صرختها توقظ الضمیر الذی أخلد إلی الأرض:


أیها المسلمون: أأغلب علی إرثی! یا ابن أبی قحافة، أفی كتاب اللَّه ترث أباك و لا أرث أبی، لقد جئت شیئاً فریّاً، أفعلی عمد تركتم كتاب اللَّه ونبذتموه وراء ظهوركم، إذ یقول:(وورث سلیمان داوود).

و قال فی ما اقتص من خبر یحیی بن زكریا إذ قال: (فهب لی من لدنك ولیاً یرثنی ویرث من آل یعقوب).

و قال: (و أولی الأرحام بعضهم أولی ببعض فی كتاب اللَّه).

و قال: (یوصیكم اللَّه فی أولادكم للذكر مثل حظّ الانثیین).

و قال: (إن ترك خیراً الوصیة للوالدین والأقربین بالمعروف حقّاً علی المتّقین). ة

وزعمتم أن لا حظوة لی و لا إرث من أبی و لا رحم بیننا، أفخصّكم اللَّه بآیة أخرج أبی منها؟! أم هل تقولون: إنّا أهل ملّتین لا یتوارثان أولست أنا و أبی من أهل ملّة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبی و ابن عمی.

فدونكها مخطومة مرحولة، تلقاك یوم حشرك، فنعم الحكم اللَّه، والزعیم محمّد، و الموعد القیامة، و عند الساعة یخسر المبطلون.

و لا ینفعكم إذ تندمون، ولكلّ نبأ مستقر، و سوف تعلمون من یأتیه عذاب یخزیه و یحلّ علیه عذاب مقیم.


لقد مات الضمیر... دفنه رهط من المدینة فی أرض فدك، فراحت البتول تحذّرهم أیام اللَّه:

فدونكموها فاحتقبوها، دبرة الظهر، نقبة الخفّ، باقیة العار، موسومة بغضب الجبّار، و شنار الأبد، موصولة بنار اللَّه الموقدة التی تطّلع علی الأفئدة، فبعین اللَّه ما تفعلون، وسیعلم الذین ظلموا أیّ منقلب ینقلبون، وأنا ابنة نذیر لكم بین یدی عذاب شدید فاعملوا إنّا عاملون، وانتظروا إنّا منتظرون.

غادرت الزهراء المسجد وقد زلزلت الأرض زلزالها و صرخ رجل غصب میراث الأنبیاء:

- اقیلونی بیعتی...

و نظر الرجال الی حیث كشفت فاطمة آفاق المستقبل فإذا السحب الحمراء مخزونة بالرعود و الأرض ملغومة بالزلازل و أنهار من دمّ، و جماجم وضحایا. وفرّ الإنسان.. ألقی أمانة تهیبت السماوات والأرض عن حمْلها و حمَلها الإنسان انه كان ظلوماً جهولا.